قاعات متحف السينما..من قاعة البدايات إلى بيت فرهاد

قاعات متحف السينما..من قاعة البدايات إلى بيت فرهاد

تزخر العاصمة الإيرانية طهران بمتاحفها المتنوّعة، التي يعبق كلٌّ منها برائحة التاريخ والفن، غير أنّ متحف السينما القابع في أحضان باغ فردوس يحمل طابعًا خاصًا يجمع بين سحر المكان وعبق الصورة.

يقع باغ فردوس في شارع ولي‌عصر الشهير، ولا يحتاج الزائر لأكثر من نصف ساعة سيرًا على الأقدام من ميدان تجريش ليصل إلى هذا المكان الآسر. ما إن تخطو بوابته حتى تتفتح أمامك لوحة طبيعية أخّاذة؛ أشجار وارفة، وممرات غنّاء، وصدى حكاياتٍ قديمة تسكن جدران القصر الأبيض الذي يحتضن اليوم ذاكرة السينما الإيرانية.

تعود قصة بناء هذا القصر إلى العهد القاجاري، حين أمر محمد شاه قاجار بتشييد قصرٍ فخم يكون مقرًا صيفيًا له، إلا أنّ وفاته حالت دون اكتمال المشروع. بعد سنوات، تولّى ناصر الدين شاه قاجار استكمال البناء، وقدّمه لاحقًا هديةً لابنته في يوم زفافها. خلال العهد البهلوي، أصبح هذا القصر العريق مسرحًا للاحتفالات الفنية والمهرجانات الثقافية والوطنية.

وفي عام 1381 هـ.ش (2002م)، استيقظت حديقة الفردوس على حياة جديدة حين تحوّلت إلى متحف السينما الإيرانية، لتصبح اليوم من أجمل وأشهر معالم طهران السياحية، ومزارًا لعشّاق الفن السابع.

كان حلم إنشاء متحفٍ يوثّق مسيرة السينما الإيرانية يراود الفنانين منذ سنوات، حتى بدأ يتحقق عام 1373 هـ.ش (1994م). وبفضل جهود المبدعين الكبار مثل الراحل عباس كيارستمي والراحل عزت‌الله انتظامي، افتُتح المتحف رسميًا عام 1377 هـ.ش (1998م) في مقره الأول بشارع لاله‌زار، قبل أن ينتقل بعد أربع سنوات إلى مقرّه الحالي في باغ فردوس، حيث وجد السينما الإيرانية بيتها الأبدي.

يضمّ المتحف اليوم عددًا من القاعات التي تسرد تاريخ السينما بلغة الضوء والذكريات:

• قاعة البدايات: حيث يبدأ الحلم، وفيها تُعرض أوائل الأجهزة التي دخلت عالم السينما الإيرانية، شاهدةً على خطواتها الأولى نحو الخلود.

• قاعة الصوت والدبلجة: عالمٌ آخر من السحر السمعي، تلتقي فيه الميكروفونات القديمة وأشرطة التسجيل التي حملت أصوات نجوم الشاشة عبر العقود.

• قاعة المعاصرين: جدارٌ من الوجوه، يضمّ نحو سبعمائة بورتريه لأبرز المخرجين والممثلين وصُنّاع السينما الإيرانية.

• قاعة الجوائز: هنا تتلألأ مجدّدًا تماثيل مهرجانات كان وبرلين وغيرها، شاهدةً على تألق السينما الإيرانية في المحافل الدولية.

• قاعة المشاهدة (التمشاخانة): نافذة على خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تتزيّن بملصقات وصور لأكثر الأفلام رواجًا في تاريخ السينما الإيرانية.

• قاعة علي حاتمي: في قلب القصر، بين زخارف الشاه‌نشين، يقف تمثال المخرج الراحل علي حاتمي كأنه يهمس بكلماته التي صاغت ذاكرة السينما الإيرانية.

• قاعة مشاهير السينما الإيرانية: لوحات لوجوه لا تُنسى؛ داريوش مهرجويي، خسرو شكيبايي وغيرهما من كبار الفن.

• بيت فرهاد: زاوية هادئة مفعمة بالشجن، تحتضن مقتنيات الفنان الراحل فرهاد مهراد، من كتبه وآلاته الموسيقية إلى بقايا صوته الذي لا يزال يملأ المكان حنينًا.

ولم ينسَ المتحف عشّاق الشاشة الكبيرة، فقد خُصّصت فيه ثلاث قاعات عرض تحمل أسماء فردوس، سينماتوغراف، تمدّن، تُعرض فيها أحدث الإنتاجات السينمائية، لتظلّ الحديقة نابضة بالحياة كما لو أن السينما لا تزال تُولد بين أشجارها.

هكذا، من قاعة البدايات إلى بيت فرهاد، لا يروي متحف السينما في باغ فردوس تاريخ الصورة فحسب، بل يحفظ ذاكرة وطنٍ رأى في السينما مرآة روحه، وصوت أحلامه