السينما النيجيرية؛ نوليوود

السينما النيجيرية؛ نوليوود

تُعدّ نيجيريا واحدة من أكبر صناعات السينما في العالم، والمعروفة باسم نوليوود (Nollywood).

وتأتي هذه الصناعة في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث عدد الإنتاجات بعد هوليوود وبوليوود. تنتج نوليوود أكثر من 2,500 فيلم سنويًا، مما يعكس أهميتها في الثقافة النيجيرية والأفريقية. ولا يقتصر جمهورها على الداخل النيجيري فحسب، بل يمتد إلى مختلف أنحاء أفريقيا وحتى خارجها.

وتتناول هذه المقالة المهرجانات السينمائية، والممثلين البارزين، وأنواع الأفلام، ومدى الإقبال العالمي على السينما النيجيرية، إلى جانب دور الذكاء الاصطناعي في صناعة السينما في نوليوود.

تاريخ نوليوود ونموّها

بدأت السينما النيجيرية رسميًا في ستينيات القرن الماضي بإنتاج الأفلام الوثائقية والقصيرة.

وفي تلك الفترة، كانت نيجيريا لا تزال تحت التأثير الثقافي البريطاني، إذ كانت إحدى المستعمرات السابقة للمملكة المتحدة، وكانت معظم الأفلام تُنتج باللغة الإنجليزية كونها اللغة الرسمية للبلاد.

غير أنّ السينما النيجيرية شهدت نقلة نوعية في تسعينيات القرن الماضي مع انتشار التقنيات الرقمية، حيث بدأ المخرجون بإنتاج أفلام رقمية منخفضة التكلفة ولكن بمحتوى قوي.

كما أثّرت الأزمات الاقتصادية في نيجيريا وتراجع إنتاج النفط — المصدر الرئيسي لدخل البلاد — على السينما بشكل كبير. وأمام هذه الظروف، اتجه كثير من النيجيريين إلى البحث عن وسائل ترفيه أرخص وأكثر سهولة في الوصول، فبرزت أفلام الفيديو الرقمية لنوليوود التي لاقت رواجًا واسعًا بفضل تكلفتها المنخفضة ومحتواها القريب من واقع الناس.

وفي أواخر العقد الأول من الألفية الثانية وبداية العقد التالي، بدأت نوليوود تحقق انتشارًا عالميًا بفضل منصات المشاهدة عبر الإنترنت مثل YouTube وNetflix وAmazon Prime Video، حيث تجاوزت أفلامها حدود أفريقيا وحظيت بإقبال كبير، خصوصًا بين المهاجرين النيجيريين والجاليات الأفريقية في الخارج.هذا الانتشار العالمي ترافق مع تعاونات دولية واستثمارات أجنبية من شركات كبرى مثل نتفليكس.

ويُقدّر الدخل السنوي لصناعة نوليوود بنحو 50 مليار نايرا (أي حوالي 130 مليون دولار أمريكي)، وهي صناعة آخذة في النمو عالميًا. ويأتي جزء كبير من أرباحها من مبيعات الأفلام في الأسواق المحلية والعالمية، لا سيما عبر المنصات الرقمية.إلى جانب ذلك، تلعب نوليوود دورًا اقتصاديًا مهمًا من خلال توفير آلاف فرص العمل في مجالات الإخراج والتمثيل والإنتاج والتقنيات الفنية، مما يساهم في دعم الاقتصاد المحلي وتعزيز مكانة نيجيريا كإحدى القوى السينمائية الكبرى في العالم.

أحد أوائل الأفلام التي أحدثت تحولًا في صناعة السينما النيجيرية «نوليود» كان فيلم «العيش في العبودية» (Living in Bondage) عام 1992، الذي يروي قصة رجل يعقد صفقة مع قوى خارقة للطبيعة من أجل الحصول على الثروة. حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا وأطلق موجة جديدة من صناعة الأفلام في نيجيريا.

أهم فروع نوليود

«كاني‌وود» (Kannywood)

فهو الذي يشير إلى صناعة السينما الناطقة بلغة الهوسا في شمال نيجيريا، ومركزها مدينة كانو. وقد أُطلق هذا الاسم عام 1999 من قبل سانوسي شهّو دانَجی، ناشر مجلة Tauraruwa، لوصف صناعة أفلام الفيديو بلغة الهوسا التي كانت تشهد نموًا سريعًا آنذاك.

• اللغة والثقافة: تُنتج أفلام كاني‌وود أساسًا بلغة الهوسا، وتجسد العناصر الثقافية والأزياء ونمط الحياة في شمال نيجيريا.

• التأثر ببوليوود: تأثرت أفلام كاني‌وود تأثرًا واضحًا بالسينما الهندية (بوليوود)، إذ تتشابه معها في الموسيقى والرقصات والأسلوب السردي للأحداث.

كانيوود (Kannywood) تُعَدّ جزءًا مهمًا من صناعة السينما في نيجيريا، إذ تلعب دورًا بارزًا في الحفاظ على الثقافة واللغة الهوساوية والترويج لهما. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، تواصل هذه الصناعة نموّها وتطورها، وتُسهم بشكل ملحوظ في ازدهار السينما الإفريقية. وتُعدّ مدينة كانو إحدى المناطق الاستراتيجية الست في نيجيريا، ويقطنها نحو 25 مليون مسلم، ما يجعلها مركزًا رئيسيًا لصناعة كانيوود في البلاد.

يوروباوود (Yorubawood)

تتعلق هذه الصناعة بالأفلام المنتجة باللغة يوروبا، وهي إحدى أكثر اللغات انتشارًا في جنوب غرب نيجيريا.

وتُعتبر مدن لاجوس، إيبادان، وآبيوكوتا المراكز الأساسية لهذه الصناعة.

وغالبًا ما تركز أفلام يوروباوود على المواضيع الثقافية والتقليدية لشعب يوروبا.

إيغبووود (Igbohood) أو إيبونوليوود (Ibonollywood)

هي صناعة الأفلام المنتجة باللغة الإيغبو، المنتشرة في جنوب شرق نيجيريا.

وتُعدّ مدينة إنوغو (Enugu) المركز الرئيسي لهذه الصناعة، حيث تُعرف بأنها “هوليوود نيجيريا” لما تملكه من بنية تحتية مناسبة. وتنتج هذه الصناعة أفلامًا تُبرز تاريخ وثقافة وتقاليد شعب الإيغبو.

إنغليوود (Engliwood)

يطلق هذا الاسم على الأفلام التي تُنتَج في نيجيريا باللغة الإنجليزية.

وتشكل هذه الفئة الجزء الأكبر من صناعة “نوليوود” وتُعتبر أكثر فروعها طابعًا دوليًا، إذ تُعدّ العديد من الأفلام النيجيرية الشهيرة من إنتاج هذا القطاع.

إدووود (Edo-wood)

يرتبط هذا الفرع بصناعة الأفلام المنتجة باللغة الإدو (Edo)، وهي اللغة التي يتحدث بها سكان ولاية إدو، خصوصًا في مدينة بنين (Benin City).

تركز أفلام هذا الفرع على الأساطير، والتاريخ، وثقافة شعب البِني (Bini).

كالاباروود (Calabarwood)

يُقصد به الأفلام التي تُنتَج باللغات المختلفة في جنوب نيجيريا، بما في ذلك لغتا الإفِك (Efik) والإيبيبيو (Ibibio).

وتُعدّ مدينة كالابار (Calabar) المركز الرئيسي لهذا الفرع، وهي معروفة بمهرجاناتها الثقافية والتاريخية.

خصائص أفلام نوليوود (Nollywood)

الموضوعات الاجتماعية والثقافية: تتناول أفلام نوليوود قضايا اجتماعية وثقافية متجذّرة في المجتمع النيجيري، مثل التقاليد، والدين، والسحر، والفقر، والفساد. وغالبًا ما تُقدَّم هذه الأفلام كمرآة تعكس واقع المجتمع النيجيري وتحدياته اليومية.

تنوع اللغات والجمهور: تُنتَج أفلام نوليوود بعدة لغات، من بينها الإنجليزية، واليوروبا، والإيجبو، والهوسا، مما يساعد على جذب جمهور واسع من مختلف المناطق والثقافات داخل نيجيريا وخارجها.

إنتاج سريع ومنخفض التكلفة: تتميّز أفلام نوليوود بسرعة الإنتاج وتكلفتها المنخفضة، إذ يُمكن إنجاز الفيلم في غضون أسابيع قليلة وميزانية محدودة. وقد تم إنتاج بعض الأفلام الناجحة بتكلفة لم تتجاوز 50 ألف دولار أمريكي.

المهرجانات والفعاليات السينمائية في نيجيريا:

تستضيف نيجيريا عددًا من المهرجانات السينمائية البارزة التي تُعد منصة لعرض أحدث الإنتاجات واكتشاف المواهب الجديدة في عالم السينما. ومن أبرز هذه المهرجانات:

• مهرجانات تُسلّط الضوء على الإبداع المحلي والإنتاج المستقل.

• فعاليات تجمع بين السينما، والثقافة، والموسيقى للاحتفاء بصناعة السينما النيجيرية المتنامية.

مهرجان أفريقيا الدولي للأفلام (AFRIFF)

• يُعدّ أحد أبرز المهرجانات السينمائية في القارة الأفريقية، ويُقام سنويًا في مدينة لاغوس.

• يشكّل فرصة لصنّاع الأفلام من نيجيريا ومن مختلف أنحاء العالم لعرض أعمالهم على الساحة الدولية.

• يضمّ المهرجان أقسامًا تنافسية تشمل الأفلام القصيرة، والأفلام الوثائقية، والأفلام الروائية الطويلة.

مهرجان نيجيريا السينمائي (Nigeria Film Festival - NFF)

يُعدّ أحد أهم الفعاليات السينمائية في نيجيريا، إذ يساهم في تعزيز مكانة الأفلام النيجيرية وتشجيع التبادل الثقافي مع الدول الأخرى.

مهرجان جوائز الأكاديمية الإفريقية للأفلام (AMAA)

يُعدّ من أعرق وأهم الجوائز السينمائية في القارة الإفريقية، وقد انطلق منذ عام 2005 لتكريم أبرز الأعمال السينمائية الإفريقية. يُعرف المهرجان باسم “أوسكار إفريقيا” ويُقام سنويًا في نيجيريا.

أنواع أفلام نوليوود

تتنوع أفلام نوليوود – وهي صناعة السينما النيجيرية – في أساليبها وأنواعها، ومن أبرز هذه الأنواع ما يلي:

الدراما الاجتماعية والعائلية

• تُعدّ أكثر الأنواع انتشارًا في نيجيريا، حيث تتناول القضايا الاجتماعية والثقافية والعائلية.

• مثال: Living in Bondage (1992) الذي كان له تأثير كبير على السينما النيجيرية.

الأفلام الكوميدية

• تحظى الأفلام الكوميدية النيجيرية بشعبية واسعة في إفريقيا بفضل أسلوبها الفكاهي الخاص وحبكتها الجذابة.

• مثال: The Wedding Party (2016) الذي أصبح أكثر الأفلام النيجيرية تحقيقًا للإيرادات.

أفلام الرعب والخوارق

• تنتج نيجيريا عددًا كبيرًا من أفلام الرعب نظرًا لقصصها الشعبية ومعتقداتها التقليدية.

• مثال: Banana Island Ghost (2017) الذي جمع بين الكوميديا والرعب.

أفلام الأكشن والجريمة

• يُعد هذا النوع من الأنواع الحديثة نسبيًا في نوليوود، لكنه يشهد تطورًا ملحوظًا في الجودة والإنتاج.

• مثال: King of Boys (2018) الذي يُعد من أنجح أفلام الأكشن النيجيرية.

جمهور نوليوود في العالم وأفريقيا

تُعدّ نوليوود واحدة من أهم مصادر الترفيه في القارة الأفريقية، إذ تحظى بشعبية واسعة في دول مثل غانا، كينيا، جنوب أفريقيا وتنزانيا. تُعرض العديد من الأفلام النيجيرية عبر شبكات تلفزيونية أفريقية شهيرة مثل Africa Magic، ما يعزز حضورها الإقليمي.

ومع ظهور المنصات الرقمية مثل نتفليكس (Netflix)، أمازون برايم (Amazon Prime) ويوتيوب (YouTube)، وصلت أفلام نوليوود إلى جمهور عالمي أوسع. وكان فيلم “Lionheart” أول فيلم نيجيري تشتريه نتفليكس، مما ساهم في تعزيز مكانة نوليوود على الساحة الدولية.

كما يعتمد العديد من المهاجرين النيجيريين في أوروبا وأمريكا على أفلام نوليوود كوسيلة للحفاظ على ارتباطهم بثقافتهم الأصلية.

ظهور الذكاء الاصطناعي في نوليوود

• تطوير السيناريوهات والأفكار:يُستخدم الذكاء الاصطناعي في ابتكار الأفكار الجديدة، وكتابة السيناريوهات، وحتى في تأليف الموسيقى، مما يتيح لصنّاع الأفلام التركيز أكثر على الجوانب الإبداعية.

• تحسين المؤثرات البصرية:يسهم الذكاء الاصطناعي في إنشاء المؤثرات الخاصة وتحسين جودة الصور، مما يوفر تجربة بصرية أكثر إبهاراً للمشاهدين.

أمثلة بارزة

يُعد فيلم “Makemation” أول فيلم طويل في أفريقيا يتمحور حول الذكاء الاصطناعي.

ويروي قصة فتاة شابة من إحدى المناطق الفقيرة في لاغوس، تجد نفسها في مواجهة بين التجربة الإنسانية والتكنولوجيا. يجمع الفيلم بين الثقافة والتقنية، ويعكس تأثير الذكاء الاصطناعي على حياة الشباب في أفريقيا.

تحديات ومستقبل نوليوود

التحدّيات:

• نقص التمويل والاستثمار في إنتاج الأفلام ذات الجودة العالية.

• مشكلات تتعلق بحقوق النشر والقرصنة، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في عائدات صناعة السينما.

• ضعف البنية التحتية المتقدمة لإنتاج وتوزيع الأفلام.

• تدنّي جودة بعض الأفلام نتيجة لسرعة الإنتاج، مما ينعكس سلباً على المستوى الفني.

• من أبرز التحدّيات التي تواجه السينما النيجيرية في المنافسة على جوائز الأوسكار القوانين الخاصة بفئة “أفضل فيلم دولي”، والتي تشترط أن تكون الحوارات في الفيلم بلغة غير الإنجليزية.

هذا الأمر يشكّل عقبة أمام نيجيريا، كون اللغة الرسمية فيها هي الإنجليزية.

الفرص والتقدّمات:

• الاستثمارات الجديدة من شركات دولية كـ نتفليكس (Netflix) وأمازون (Amazon) أسهمت في تحسين جودة الإنتاج السينمائي النيجيري.

• تزايد استخدام تقنيات الرسوم الحاسوبية (CGI) والمؤثرات البصرية الخاصة في الأفلام.

• إنشاء دور عرض حديثة في لاغوس ومدن نيجيرية أخرى ساعد على زيادة عدد المشاهدين.

النتيجة:

على الرغم من التحدّيات، تظل نوليوود واحدة من أكثر الصناعات السينمائية ازدهاراً في العالم. ومع تطور التكنولوجيا، والاستثمارات الدولية، وانتشار المنصات الرقمية، يُتوقّع مستقبل واعد لصناعة السينما النيجيرية.

ورغم مساعي نوليوود للمشاركة في جوائز الأوسكار، لم ينجح أي فيلم نيجيري حتى الآن في نيل ترشيح رسمي لفئة أفضل فيلم دولي، غير أن هذه المحاولات تعكس النمو والتطور الذي تشهده السينما النيجيرية ورغبتها في الحضور على الساحة العالمية.

وفي الوقت نفسه، بدأ الذكاء الاصطناعي يُغيّر ملامح صناعة السينما في نيجيريا، من خلال توفير أدوات جديدة تمكّن صُنّاع الأفلام من تقديم قصصهم بطرق مبتكرة. ومع ذلك، يبقى من الضروري إيجاد توازن بين استخدام التكنولوجيا الحديثة والحفاظ على الإبداع الإنساني.

 منابع:

1.  https://www.britannica.com/topic/Nollywood

2.  https://www.howwemadeitinafrica.com/meet-the-boss-charles-igwe-ceo-nollywood-

3.  https://en.wikipedia.org/wiki/Actors_Guild_of_Nigeria#:~:text=The%20guild%20is

4.   https://dailypost.ng/2025/04/02/uzor-odogwu-arukwe-reacts-as-segun-arinze-declares-him-biggest-nollywood-actor/

5.   https://www.bellanaija.com/2025/04/the-cinema-has-to-be-alive-blessing-uzzi-on-film-distribution-and-the-future-of-nollywood/

6.  https://www.pulse.ng/articles/entertainment/movies/the-most-anticipated-nollywood-movies-of-april-2025-2025040311183019067